مراجعة كتاب رأيت رام الله، مريد البرغوثي

الغريب يعود إلى وطنه.
وطن على الخريطة، سلسال معلق على أعناق السيدات، خريطة فلسطين، يعود مُريد حاملاً حقيبة يد واحدة فقط و جواز سفر، العبور فوق الجسر، لا يدري أيعود لاجئًا، أو على هيئة مسافر، و هو ابن الأرض.

منذ عام ١٩٤٨ و السيدات العجائز يحملن مفاتيح العودة المعلقة على أعناقهن في المنافي، و في الضفة الغربية، ثم كيف يصبح الأهالي و أصحاب الحق على أرضهم لاجئين؟ 

"بوابة الأبواب
لا مفتاح في يدنا، و لكنا دخلنا
لاجئين إلى ولادتنا من الموت الغريب
و لاجئين إلى منازلنا التي كانت منازلنا و جئنا"

لا يهدأ صوت النار، بينما تقلب بين يديك أوراق الصحيفة الورقية حيث يخرج لك صفوف المقاومة و العدو أو تنظر عبر قنوات الشاشة الفضية فتتساقط الأشلاء و ينزف الجرحى، ثم تسمع عبر الراديو مذيع موجز نشرة الأخبار، يسرد مفردات و تفاصيل إخبارية لا تكف عن التكرار.. يندد، يستنكر، اعتقالات، هجوم مسلح، مستوطنات، مخيمات لاجئين، نضال الثوار و أطفال الحجارة.

يصف مريد "أن يتحدث المتحدثون عن المستوطنات شيء و ان تراها بعينك شيء آخر" ثكنات عسكرية و علم قذر يحتل الأراضي الفلسطينية. "إنها إسرائيل الفكرة و الأيديولوجيا و الجغرافيا و الحيلة و الخديعة" الشكل الأول، و كتابهم، الميعاد اليهودي على الأرض، هي الغياب و التيه الفلسطيني.

كل الشعوب تحب اوطانها، فماذا عن الشعب الذي يحارب لأجل أرضه؟ "الشهداء يسقطون من اجل قضاياهم العادلة في كل مكان، المعتقلات و السجون مكتظة.. تضحيات بلا حد. "و لإن المأساة مشوبة دائماً بالملهاة" فلا سقوط دون نهوض و انتصار.

و بين الواقع و الوقائع، عن جنود الاحتلال "على التلفزيون لا نشاهدهم الا مسلحين، هل يخافون منا حقًا، أم نحن الذين نخاف؟" كما أن من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة، كأن تبدأ حكايتك بالكذب و الخديعة. بينما كانت الجنازات جزءًا لا يتجزأ من حياة الفلسطينيين، في أرضهم، و المنافي، و في أيام سلامهم المشوب بالمجازر و الانتفاضة.

كان الإحتلال يُلمع صورة كاذبة، مزيفة أمام الإعلام، قائلاً: "نحن ضحايا الحرب و العنف، لم نعرف عاماً واحدًا أو شهرًا واحدًا لم تبكِ فيه أمهاتنا، أبنائهن". لما كانت الأمهات الفلسطينيات تأخذ تحت عبائتهن أيتام الجارات و بقايا أحزانهن و دموع الأطفال التي تصبح حجارة في أيديهم حتى يقذفوا بها الرعب في وجه المُحتل الغاصب.
لم يكتفِ الإحتلال عن التهجير من المنازل و هدمها و إحتلالها، لم تتوقف بنادقهم عن الدخيرة في كل يوم، لما تكومت أجساد الشهداء في الساحات و الشوارع و المستشفيات! و حتى هذه الأخيرة لم تسلم من القصف و الإعتداء!

"الغربة لا تكون واحدة، إنها دائمًا غربات"
فمتى يحين موعد الصبح الذي يعود فيه الفلسطيني إلى أرضه و بيته، متى تنتهي الغربة و الألم فيعود الطفل آمنًا في مرقده و يركض في مساحات الحياة طفلاً في مناماته و أحلامه التي يحلم فيها أن يكبر حرًا دون قيود و قصف و مدافع؟
الكلمة الأولى و الأخيرة، دامت فلسطين حرة أبية، و سلامًا على أرواح الشهداء و قلوب الأمهات حتى تهدأ، "سلامٌ لأرضٍ خُلقت للسلام و ما رأت يومًا سلامًا"*١
"أرفع أشكال كتابة التجربة الوجودية للشتات الفلسطيني التي نمتلكها الآن"*٢
إنها فلسطين، حيث الحكايات لا تنتهي، قصة الأرض المحتلة.

اقتباسات:
١- "إن قصص الأوطان المجروحة كقصص المنافي الآمنة"
٢- "إن العالم كله يمارس ضغوطًا ضد الفلسطينيين في الحرب، و في السلام، بينما لا أحد يضغط على إسرائيل"
٣- "إلبسي أسود، يمه".
٤- "هاهم الإسرائيليون يحتلون دورنا كضحية! و يقدمونا بصفتنا قتلة!"


ملاحظة على الهامش:
يتضمن النص اقتباسات بين علامتين تنصيص ("..")
١* قصيدة مقتبسة: للشاعر محمود درويش.
٢* اقتباس من مقدمة إدوارد سعيد تعليقًا على الكتاب.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة كتاب: لا تقولي إنك خائفة

سيرة ذاتية مبتكرة

النمرة خطأ