مراجعة كتاب: النورس جوناثان ليفنجستون
النورس جوناثان ليفنجستون
المؤلف: ريتشارد باخ
التصنيف: رواية
الصفحات: 100ص
الترجمة: محمد عبدالنبي
دار النشر: الكرمة
يقول قائد سرب النوارس أثناء إعلانه نفي جوناثان إلى المنحدرات القصية: "الحياة هي المجهول، هي ما لا يمكن أن نعرفه، و لكننا نعرف اننا نعيش في هذا العالم لنأكل، لنبقى أحياء بقدر ما أمكننا أن نحيا".
"النورس" حكاية من خلالها يُقدم لنا ريتشارد باخ هجاء و نقد ساخر للأنظمة و المُثل العليا، يوضح التشبث بالماضي و التحريف في الموروث العقائدي و التحكم في مخاوف النوارس و السيطرة على ذكائها و تضييق النطاق في السعي للوصول. قصة البحث عن الحرية و التطلع إلى الكمال، عبر مغامرة في سبيل إثبات القوة بالعلم و المعرفة. و تقدمًا على عصر الجهل و كسر الموروثات التقليدية.
بينما تخفق الأجنحة عالياً في السماء فوق المرافئ و طيور النوارس تقتات على السمك و بقايا الخبز. يتسائل النورس جوناثان: ما معنى الحياة؟ "أغلب النوارس لا تهتم الا بتعلم أبسط حقائق الطيران، أي كيف لها أن تصل من الشاطئ إلى الطعام و العودة مجدداً، ليس الطيران هو المهم بل الحصول على الغداء" بينما تحلق أجنحة جوناثان مضياً للسعي نحو الطيران، و تحقيق طيران أعلى وصولاً للسحب البعيدة.
"يوجد سبب للحياة، نستطيع ان نتنزع أنفسنا من الجهل، أن نجد أنفسنا مخلوقات ذات تفوق و ذكاء و مهارة، نستطيع أن نكون أحراراً، نستطيع أن نتعلم الطيران". بعدما تعرض جوناثان للخزي و الطرد صار جلياً به أن يكمل هدفه في الحياة مستمراً بالطيران في أرض عزلته، حتى تحقق وجوده خلف رياح الجبل العظيم، برفقة إثنان من النوارس- الملائكية - أسروا به إلى ملكوت السماوات.
في الأرض الموعودة التي هبط إليها، واجه معلمه سوليفان و العظيم تشيانج، يدربه و يتقن تعليمه فنون التحليق، و الإنتقال بخفة الكمال من مكان لمكان آخر في طرف ثواني. فيما وراء حدود المسافة و الزمن. حتى تفوق التلميذ على معلمه. و بعودته إلى أرض المنفى القديمة، شعر بنفسه ان ينقل تعاليمه إلى نوارس تبحث عن النور و الحقيقة و تسعى للإيمان، طيور تعرضت للخزي و العار على شاطئ النوارس بكسرها قاعدة الهدف خلف الطيران. حتى صار لديه طلابه "فليتشر، مارتن" و آخرون.
بعودته صار مُبشراً، جلياً قادماً من وحي السماوات، رسول النوارس، ينشر بين طلبته تعاليمه و يُرسخ أن النورس هو فكرة، بلا حدود للحرية، حتى انجلى خلف وميض أبيض و صار حكاية أسطورية، تلاعبت بها أجنحة النوارس الجهلة، و لما خلف قومه "فليتشر" محلقاً في إثبات إنه لم يكن سماوياً، بل شأنه شأن كل النوارس. كانت النوارس تسعى خلف بناء المزارات و تقديم الأحجار و الأغصان حول مرقده العظيم فوق الجبل لما قتلوا روح الطيران بتقديس الشعائر.
تتشابه الأحداث في عالمنا الحالي بحكم السلطة و الطقوس الدينية لمختلف الأديان السماوية و إتساع دائرة الجهل و تزييف الحقائق، و سواء وجدت معنى الحياة، أو ما زلت تبحث عنه، تذكر نصيحة سينكا: "إن حياتنا ليست قصيرة، لكننا نحن من يجعلها كذلك، إذ لا يعوزنا الوقت، و لكننا نفرط به" و حاصل القول: لا تبدد الوقت الذي مُنح لك.
و على السطر الأخير أتذكر اقتباساً من كتاب/ الرسام تحت المجلى، يقول: "مشكلة الحرية إن كانت كبيرة، فكل شيء يتداخل، لا توجد حدود لأي شيء، ولا توجد عوائق، و من ثم يتسلل الملل! أهمية الحدود، تكمن في إنها تضمن لنا ألا نفقد هويتنا، إن الحرية هي أكبر عدو للهوية، و على المرء أن يحقق توازناً بين الإثنين". و من خلال نورس واحد يجب أن نتذكر أهمية الطيران و نبحث عن الحقيقة خلف الأسوار.
لتتحقق كلمة جوناثان: "لا تصدق ما تخبرك به عيناك، فكل ما تُبديانه هو الحدود و القيود، انظر ببصيرتك و فِطنتك.. طِر".
تعليقات
إرسال تعليق