مراجعة كتاب: النوم في حقل الكرز
النوم في حقل الكرز
أزهر جرجيس
أن تصبح مهاجرََا من وطنك بسبب إلقائك نكتة و هربََا من سُلطة الجلاد، هنا تكمن النكتة، الكوميديا السوداء، وجه العالم في بقعة صغيرة هي منبع الحضارات اسمها العراق.
"لولا خطأ وقع فيه ساعي البريد" هكذا تبدأ الحكاية، سعيد ينسين "عراقي في بلاد الثلج" و يمكن ان يتحول لأسعد لو ردت على برقيته "عبير" الفتاة التي يُحب، باحثة الآثار و الساعية نحو التنقيب في رفاة الموتى، الرسالة الأولى التي وصلت له بعد ١٤ عامََا من الغربة "عليك ان تعود إلى بغداد فورََا". في كل بلاد صديق و في كل صديق غُربة، رحلة عودته لبغداد التي صارت جنة - او هكذا كثرت عنها الأقاويل - رحلة مليئة بمشقة السفر، و لإن العودة للوطن ليست بمثل صعوبة الرحيل عنه أول مرة، كان يتخبط في أسفاره العديدة، عصابات التهجير و التسلل عبر منافذ الأوطان هم شبكة عالمية لا تختبى بين صفحات القصص الخيالية و حسب، لكنها موجودة في عالمنا الحقيقي و بأعداد مضاعفة! كيف كان الرحيل و كيف كانت العودة؟
و متى تسنى لك أن تكون علي، أو عمر، او سعيد، او اي اسم آخر، الغربة التي تطال الروح لا منفذ منها، هذه قصة الرجل الذي نام آخيرََا في حقل كرز، بينما نام أباه كرفاة مهشم، و جثة محطمة تحت عجلات شاحنة و صار ذرات غبار في الهواء، لم يسلم الأحياء في العراق فما بال الموتى لا يمضون في راحة، ردة الفعل الأولى كانت: كتاب عجيب، مُضحك، اللغة سهلة، ظريفة، الأحداث في القصة جميلة رغم التشرد الحاصل، واجد عجبني، ردة الفعل الثانية: الكتاب حزين، مؤثر، بائس، القصة صعبة و ثقيلة على الروح.
حتى الفاصل الخيالي في الفصل الآخير كان مُوجع جدََا على صورة العراق كوطن، ماذا عن وقود يحرق الزمن، يمكن ان يتجاوز عن الكثير من خيبات الأوطان في مهلة زمان، أعجبني دعاء ام سعيد: "إلهي و انت جاهي، ارجع سعيد سالمََا" و الأكيد ان الله وحده يعلم سر دعوات الأمهات، و أما عن مرض تونا ينسين، و التفجير الذي راحت ضحيته عبير، كان فصلاََ شديد الحسرة و الندم، يا لهذا الموت الذي لا يتهاون في مهمته؟ "و المجد لمن نام في حقل الكرز".
التقييم: من 5
⭐⭐⭐⭐⭐
تعليقات
إرسال تعليق