الفقد، ليلة وداع العلوية
لطالما تسائلت عن شعور اليُتم في صورة أبي.
ولما غادره والده صغيراً، طفلاً يركض بين المساحات الفارغة في مسارات الحياة، حتى بلغ الرشد محله، كم مرة تعثر؟ و كم مرة صار صوته يتردد في صدى؟ باحثاً عن الدرب في الطريق الطويلة، كم من التيه و الفقد و الوحدة التي صارت تطوف عنده وسط الحشود.
ولكنه أبي، أعرفه شديد القوة، حاد الطباع، رقيق القلب، شامخاً، يعدو في سباق المسافات، تعترضه الأيام فلا يأبه، يقف شامخاً و يواجه الصعاب، يتحدى و يُغامر.
و إذا ما هده التعب، و مال ليستريح، كانت اليد الحنونة تشد بها عليه، فيتماسك و يشتد عوده، هي الكتف التي يميل إليها، العلوية، الإسم الذي لا يفارق ذاكرتنا و نحبه.
عن ليلة وداع العلوية
مساءًا، حينما كان الكون يضج بصخب الحياة، و روتين الأيام، لم نعلم بأننا نقف في المكان و ثباتنا يتداعى في لحظات، و كأن الذكريات تزدحم فينا فتخرج منا و تعانق فضاءات أرواحنا المُرهقة، نشعر باليد الحنونة ذاتها تربت على أرواحنا، لنهدأ و نستكين، ليست اليد وحدها، ولكنه صدى الصوت، الهمسات الخافتة، و مناجاة الله، و الصلوات.
يا رحمة الله الواسعة اشملينا
اجمعي شتات أرواحنا و اجمعينا
لملمي أشتاتنا و دثرينا
بالرداء الأحمر بُثِ الدفء فينا
أترحلين عنا؟
أماضية أنتِ و تتركينا؟
إلى أين تمضي يا أماه
الأ فأخبرينا؟
بالله أرجوكِ تمهلي
ما لفراقكِ تتعجلينا؟
لا عتبٌ على الموتِ
ليت.. و لكن
عانقينا
في فقدكِ يا أماهُ
وجه أبي
و صوت أبي
و عناق أبي
نشدُ على يده البيضاء
تصافحنا، و بكينا
هون عليك
فلا الذكرى
ولا الصوت و الصورة
تُفارقنا
إن الحنونة
في قلوب العارفينا
و إن رحلتِ
فلا يغيبُ عنا
حنانكِ
و صوتكِ إذ هو يصدحُ فينا
فلا نكفُ نقرأ الأيات
و ندعو الله
أن يُحيي ذكراكِ
ما حيينا
و في كل وقت و حينا
يصدحُ منا
صوت أن لا ننسى الحُسينا
فيا رحمة الله حِفي بنا
و طمأنينا
يا أماهُ
في دنياكِ الهنية
اغفري تقصيرنا و سامحينا
و في الجنة
مثواكِ
فاستقبلينا
إننا جمعاً نُحبكِ
نبكيكِ شوقاً
و حُبا
ولا ننساكِ
وعداً
صادقاً
وعدُ المُحبينا
و بالفاتحة المُباركة
تطمئنُ الروح و تستكينا
وداعاً.. وداعاً
حتى اللقاء، فانتظرينا
يا رحمة الله الواسعة
سلواناً بآل البيت الطاهرينا
شوقاً.. و صبراً
فألهمينا
عن خروج الوقت من إطار الزمن، شعرتُ بأنني أحيا يوم واحد طويل، و لستُ أعلم كيف نعتادُ الفقد. بكينا أبي في فقده لوالدته، و لم أعلم مُواساة غير العناق و مصافحة اليد، نلتمس منه بعض الحنان القديم، في كل سلام محبة كان النداء أمي، الكلمة الحنونة تشد بأوتار القلب تجمع شتات الروح و تشعرنا بالقوة، يا رائحة الجدات، يا للذكريات التي لا تكف أن تدور في رأسي، ليت الأجداد لا يرحلون، أحبُ العلوية، و أسأل الله أن يلهمنا الصبر و يتغمد روح عزيزتنا بلطفه و عنايته. و إنا لله وإنا إليه راجعون.
تعليقات
إرسال تعليق