رسالة لمخلوق فضائي:


مرحبََا، أنا اكتب لك من كوكب الأرض حيثُ أعيش، أدعوك لزيارتنا في العطلة الصيفية الطويلة، سنقضي الكثير من الوقت في اللهو و المرح، سنضحك كثيراََ حتى نشعر بالألم في البطن، سنخرج للتنزه في الشاطىء، سنلعب كرة الماء، سأشاركك اللعب بكرة القدم المفضلة لدي، سنعود في المساء للمنزل، سننتناول الفشار و نستلقي أمام التلفاز نشاهد أفلاماََ كوميدية، سنقص على بعض قصصنا عند وقت النوم، سنرتدي البيجاما و نتقاذف الوسائد حتى يمتلىء داخلنا بالبهجة الصاخبة، و سنغفو حين نتعب أخيراََ و ننام، و كنا قد خططنا للغد بأن نخرج في الصباح الباكر و قد مررنا بالمخبز و سنحمل معنا الكثير من رائحة الخبز و الكعك الساخنة، سنبتهج، سنمضي على دراجاتنا الهوائية و ننطلق عبر المدينة إلى المكتبة، و المسرح و سنقف أمام متجر التحف القديمة و نستمع للموسيقى من علب الموسيقى الخشبية، سأغلف لك واحدة حتى تكون معك ذكرى من زيارتك الأولى لكوكب الأرض و سترافقك عبر الفضاء.
هذه الرسالة كادت أن تصلك و أنا بعمر السابعة، أما و أنا في الرابعة و العشرون، فالرسالة ستكون أخرى، عزيزي الفضائي، لا أعلم إذا ما زلت تحتفظ بالصندوق الموسيقي الخشبي و إذ ما كنا لا نزال صغاراََ نشع حيوية و نشاط و نتقافز في كل الأرجاء و نضحك ملء أشداقنا، هل تعاهدنا على أن نكون أصدقاء؟ الا زلنا نحفظ العهد؟ صديقي العزيز أعتذر لكوني مشغولة جداََ هذه الأيام، كانت الدراسة تأخذ كل وقتي، لم أجد متسع من الوقت للمزيد من اللعب، و عندما انتقلنا منذ سنوات لمنزلنا الحالي كنت قد تخلصت من الدمى القطنية و كرتي المفضلة، لم أعد ألعب الكرة، لم تكن لي دراجتي الهوائية قط! الفُشار يحترق مرات عديدة، و الفيلم الكوميدي ما عاد كوميدياََ، بل ساخراََ، ساخطاََ! كوكب الأرض لم يعد على عهدك به! الحروب تمزق الكوكب، مخبز الكعك لا يستطيع منح الكعك لجميع الناس، حتى إنه أعلن إفلاسه و تم إغلاقه، أما وصفات الكعك تحفظها الأمهات فتعجنها في المنزل و لكنها تبدو تفتقد لطعم المذاق الشهي، و لا تعلم الأمهات ما الناقص في وصفة إعداد الخبز.
تلوث البحر، الشاطئ ما عاد الشاطئ الذي تسابقنا حوله و بنينا فيه بيوت رملية، البيوت تنهد على رؤوس الأطفال في الجهة المقابلة للبحر، المد و الجزر يأخذنا و يرمي بنا على شواطىء الحياة فتتلقفنا الأيام دون أن نعلم ما الذي جرى؟ و ما جدوى كل هذا؟ البعض منا ينام فلا يستيقظ مرة أخرى في الصباح، و الآخر يسهر حتى وقت متأخر ثم لا يصبح للنهار و الليل أية أهمية. ولا فارق للتوقيت! لو عاد الفضائي لزيارة الكوكب سنكون نحن البشر نقف في أروقة الأرض أعمدة جاثمة، و مُمددة بإتساع المساحات، الأرض متحفنا العظيم، البشر هم صناديق الموسيقى، بداخل الإنسان منا قصص و حكايات لم تدونها المكتبات و لم يقف فيها الممثل على خشبة المسرح، ستدب فيك الرهبة و القشعريرة، قد لا تعود لكوكب الأرض مرة أخرى، و ربما تلمح بذور الكتان، و بتلات الزهور التي زرعناها ذات مرة و نسيناها، تنمو بجوار قدميك، فتسعى لرعاية النبات يوماََ آخر قبل أن تقرر المضي في رحلات أسفارك العديدة مخترقاََ الفضاء فلا تعود لزيارة كوكبنا، و لما نسينا الـ(نا)، كان كوكب(نا) قد خمد و تهاوى، نحن البشر مهملون حتى في مشاعر(نا)، لا يبقى لنا إلا رماد ذكريات(نا) و زيارتك الأخيرة لنا.
أيها الفضائي، لا تخبر قصتنا الفضاء فيجردنا هوية الأرض لما منها تجردنا، فيسحقنا الثقب الأسود في دواخلنا، ويقضي على ما تبقى منا.



تعليقات

  1. رد من مخلوق فضائي عابر :
    ابقِ حيث انت، فالمسافة الفاصلة بيننا تعيد ترتيب الاشياء، فلا هوادة في الفوضى، و لا راحة حيث تجتمع الذوات.. وحدة الماضي الذي يسرق الحاضر قادرا علي بسط جناح الغد المتعب.. حينها فقط ربط تلتقي المحطات.

    ردحذف
    الردود
    1. ما عادت الأرض محطة لقاء، كلنا في التيه.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة كتاب: لا تقولي إنك خائفة

سيرة ذاتية مبتكرة

النمرة خطأ