بنات الليل

يستيقظن واحدة تلو الأخرى، في عزلة من الأرواح و الظلمة الحالكة تحيطُ بالمكان، الأولى تحيك من الظلام وشاحاََ و الثانية عمياء لا تبصر و تصرخُ في أخواتها ما الوقت الآن؟ هل نحن في الليل كالعادة؟ الثالثة تبكي بحرقة و أسى و تغني "هي الروح تشتاق اللقاء"، الرابعة تمضي في سكون و تتأمل في الفضاء، الخامسة تأمل أن لا يطلع فجر الغد، السادسة تدور في أرجاء الغرفة و تردد نصاََ قرأته منذ أيام " هالة سوداء.. هالة سوداء تحيط بي.. و تجيبك؛ بأنه الإكتئاب! " الأخت السابعة تفكرُ في ما إذا كانت ستشعر بمبداعبة الهواء العليل لوجنتيها و هي تقفز عبر النافذة. و أما الثامنة تقرض أظافرها بقوة و تدمي شفتها و تهز برأسها و تنظر في كل الجهات، هي تشعر بالخطر و تترقب لئن تقبض عليه قبل أن ينهي أيامها المعدودة، و هناك التاسعة ترسم لوحة و تختار لها ألوانها فتصنع الكون كما تشاء، و أحياناََ تشير بأناملها في الهواء فتسمع صوت الموسيقى في رأسها و تهز بخصرها بدلال و تتغنى بنشوة فتضحك و تضحك بغنج. العاشرة تستيقظُ أخيراََ و تعد الأرقام بعدد أخواتها من الواحد للتسعة، تشير لذاتها أنا هنا، أنا هنا! بكماء هي! و هن في صدفة قوقعة صماء.
بنات الليل هوس و إكتئاب و وسواس و رغبة و شغف و جنون و يأس و إلهام و ثنائية القطب توأم من شعور بفرح أو حزن شديد. يتعانقن في ساعة الفجر الأولى من الليل الفاحم و تمضي كل منهن في سرد قصة لكل يوم، في الغرفة و على السرير كائن - أي أنا - لا يحتمل كل هذا الصراع! بداخل رأسي على وسادتي أجولُ في المساحات البيضاء، فأضيء مصباح صغير في الجدار و أتسائل هل نحن في الليل مرة أخرى؟ يمرُ بي شريط من ذكريات مضت و أيام لا تغادر ذاكرتي فأبكي إذ لا لقاء ولا عودة بالزمن لتصحيح خياراتي مجدداً، أغني لمواساتي بأغنية عالقة برأسي و أنظر للسقف فوقي إذ إنه يشعر بكل هذا الثبات. أتنهد و اتمنى ان لا يأتي يوم الغد لا رغبة لي بالمزيد من المقاومة بوجه هذا العالم الهش، يأتي في رأسي نص كتبته منذ أيام يشبهني جداََ " هالة سوداء تحيطُ بي تجيبك بأنه الإكتئاب" يا للعجب! انظر للنافذة و أفكر في الهواء البارد بالخارج، فكرة تأتي و تذهب، يا لهذا العذاب؛ و كم أنا حراََ و منسي في خيالاتي أضحك و أضحك، تستيقظ الكلمات بنشوة عارمة و أشعر بي، أسحبُ الهواء من حولي و أشعر بي لا أقوى على الكلام، لساني ثقيل و لكن لماذا يسعني سماع صوتي برأسي؟ واحد.. اثنان.. ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة.. سبعة، ثمانية، تسعة، عشرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة كتاب: لا تقولي إنك خائفة

سيرة ذاتية مبتكرة

النمرة خطأ