الفقد، ليلة وداع العلوية
لطالما تسائلت عن شعور اليُتم في صورة أبي. ولما غادره والده صغيراً، طفلاً يركض بين المساحات الفارغة في مسارات الحياة، حتى بلغ الرشد محله، كم مرة تعثر؟ و كم مرة صار صوته يتردد في صدى؟ باحثاً عن الدرب في الطريق الطويلة، كم من التيه و الفقد و الوحدة التي صارت تطوف عنده وسط الحشود. ولكنه أبي، أعرفه شديد القوة، حاد الطباع، رقيق القلب، شامخاً، يعدو في سباق المسافات، تعترضه الأيام فلا يأبه، يقف شامخاً و يواجه الصعاب، يتحدى و يُغامر. و إذا ما هده التعب، و مال ليستريح، كانت اليد الحنونة تشد بها عليه، فيتماسك و يشتد عوده، هي الكتف التي يميل إليها، العلوية، الإسم الذي لا يفارق ذاكرتنا و نحبه. عن ليلة وداع العلوية مساءًا، حينما كان الكون يضج بصخب الحياة، و روتين الأيام، لم نعلم بأننا نقف في المكان و ثباتنا يتداعى في لحظات، و كأن الذكريات تزدحم فينا فتخرج منا و تعانق فضاءات أرواحنا المُرهقة، نشعر باليد الحنونة ذاتها تربت على أرواحنا، لنهدأ و نستكين، ليست اليد وحدها، ولكنه صدى الصوت، الهمسات الخافتة، و مناجاة الله، و الصلوات. يا رحمة الله الواسعة اشملينا اجمعي شتات أرواحنا و اجمعينا ...